ما هو حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ خلاف فقهي وأدلة الجمهور
حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم: خلاف فقهي وأدلة الجمهور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أهلاً وسهلاً ومرحباً بكم أيها الكرام. بين أيدينا اليوم مسألة يكثر السؤال عنها، ألا وهي حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم. وكعادتنا أيها الكرام، نحن نطرح هذه المسائل طرحًا علميًا بعيدًا عن التعصب.
ثم إننا نخاطب أهل العقول النيرة والمتفتحة. أما هؤلاء الذين يقدسون المشايخ ويدّعون لهم العصمة، فهؤلاء نحن لا نلتفت إليهم. وأنتم ترونهم وتعرفون أسلوبهم: سب وشتم ودعاء عليك بالويل والثبور وما إلى ذلك. هذه هي بضاعتهم الكاسدة فلا علينا منهم.
تعريف التوسل وأنواعه المتفق عليها
ما حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ دعونا نعرف أولاً ما هو التوسل.
التوسل يا جماعة الخير هو أني أتقرب إلى الله بشيء يحبه الله. ركز معي، ليس أن أتقرب لغير الله. لو تقربت بشيء لغير الله تعالى، فهذا شرك ولا خلاف في ذلك. لو قلت مثلاً: "يا عبد القادر" أو "يا جيلاني" أو "يا سيدي فلان أو علان اشفني أو نجحني أو ارزقني"، هذا شرك واضح ولا خلاف في ذلك.
لكن موضوعنا أننا نتقرب إلى الله مباشرة بشيء يحبه الله، ونحن موقنون أن الله تعالى هو الذي ينفع ويضر وهو الذي بيده كل شيء. يعني نحن نتقرب لله، ونريد وجه الله، ونقصد بهذا الدعاء الله. تمام.
وفي توجهي وفي طلبي ودعائي لله، ذكرت شيئًا توسلت به إلى الله، وهذا التوسل له طرق شرعية متفق عليها:
- التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى: مثلاً قلت: "اللهم إني أسألك"، فبعد كلمة "أسألك" تقربت لله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، فقلت: "اللهم يا مالك الملك، يا عالم الغيب، يا قدير، يا كريم، يا رزاق" وهكذا. هذا الأمر جائز ولا خلاف فيه بين العلماء.
- التوسل بالعمل الصالح: وأيضاً يجوز لي أن أتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بأعمال صالحة، كحديث الثلاثة المعروفين الذين آووا إلى الغار، فنزلت عليهم الصخرة فسدت عليهم ذلكم الغار، فقالوا: "لن ينجيكم من هذا إلا الله سبحانه وتعالى، فكل واحد منكم يدعو الله سبحانه وتعالى ويتقرب إليه بعمل أخلص فيه لله". فنجاهم الله، والحديث معروف. وإلى حد الآن ما في خلاف بين أهل العلم في هذه الطرق، كلها طرق شرعية.
حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته
السؤال الآن: هل يجوز لي عندما أدعو الله أن أتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ يعني مثلاً أقول: "اللهم إني أسألك بجاه النبي محمد صلى الله عليه وسلم أن ترزقني كذا أو أن تعطيني كذا".
أصحاب القول الواحد والفتوى الجاهزة قالوا أن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يجوز وهذا نوع من أنواع الشرك قولاً واحداً، هكذا يقولون.
ثم قالوا: وكما أن المشركين قديمًا يعبدون الأصنام ليتقربوا بها إلى الله، أنتم تفعلون مثلهم.
لكن بماذا أجاب جمهور الفقهاء من المذاهب الأربع على هذه الشبهة؟
قالوا: أليس مشروعاً بالاتفاق جواز التوسل إلى الله بالعمل الصالح؟ فعلى قياسكم وعلى نفس مبدأكم، ينبغي أن يكون هذا شركًا أيضاً! لماذا لا تعتبرون التوسل بالأعمال الصالحة شركاً؟ أليس هذا العمل واسطة بينك وبين الله وتطلب من الله بحق هذا العمل؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً واسطة، والذين يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتوسلون به على أنه إله مع الله، ولا يوجد أحد من المسلمين يعبد النبي صلى الله عليه وسلم أصلاً.
إن التوسل بالنبي هو طلب من الله بذكر مقامه ومنزلته عنده، وهو أرجى في الظن من أن يتقرب إليه بعمل الإنسان الذي قد يكون غير مقبول. أما مقام النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تبارك وتعالى فمقام عالٍ وكريم لا شبهة فيه.
أدلة الجواز عند الجمهور
- حديث الأعمى: النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي علمنا أن نتوسل به في دعائنا لله في حديث الأعمى، وقد صححه غير واحد من أهل العلم، حيث أمره أن يقول: "اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، يا محمد إني توجهت بك إلى ربي في حاجة هذه لتقضى، اللهم شفعه فيّ". فكما أن الله جعل نبيه واسطة بينه وبين خلقه ليخرجهم من الظلمات إلى النور، أيضاً أجاز لهم التوسل به.
- التوسل بالنبي حيًا وميتًا: من يمنع التوسل بعد وفاته يقول إن ذلك جائز في حياته فقط. ويرد عليهم الجمهور: ما الدليل على هذا التخصيص؟ ومن الذي قال أن صلاحية النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر تنتهي بوفاته؟ النبي صلى الله عليه وسلم هو مجرد سبب حيًا كان أو ميتًا، ولا يجوز لك أن تعتقد أن في حياته أثرًا لإجابة دعائك من دون الله؛ فالتأثير من عند الله وحده، وهو القائل لنبيه: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ. لكن مقامه عند الله وعند ربه باقٍ كما هو قبل موته وبعد موته، وطلب العبد من الله بمقامه ومكانته عنده وبمحبة الله تعالى له أمر لا ينفك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته.
- حديث عمر بن الخطاب في الاستسقاء: استدل جمهور الفقهاء بالحديث الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا العباس فاسقنا". قال: "فيُسقون". يستدل من يحرم التوسل بهذا الحديث بدليل أن عمر لم يستسقِ بالنبي بل بالعباس. ويرد الجمهور: إن ترك الشيء لا يدل على التحريم. وإنما أراد عمر رضي الله عنه أن يتوسل خصيصاً بالعباس لقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرى للعباس ما يرى الولد من والده.
أقوال أئمة المذاهب في جواز التوسل
جمهور العلماء والمعتمد عند المذاهب الأربعة الفقهية على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأن هذا الأمر سنة ومستحب. فقد ذكر تقي الدين السبكي (شافعي) في كتابه "شفاء السقام" أن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي جائز ويحسن. وأيضاً ذكر المرداوي الحنبلي أن الإمام أحمد كان يرى جواز التوسل بالنبي عند الحاجة، وذكر الإمام مالك أنه يجوز الاستشفاء بالنبي وطلب شفاعته. كما أجزأ ابن عبد البر والقاضي عياض والإمام القرطبي التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الخلاف والإنكار
الذي خالف في هذا هو ابن تيمية رحمه الله وبعض من تبعه في المسألة كالشيخ محمد بن عبد الوهاب وبعض المشايخ المعاصرين.
الإنصاف يقتضي أن يُخبَر الناس أن جمهور العلماء والمعتمد عند المذاهب الأربعة الفقهية على جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم. أما الإغلاق على قول المنع واعتباره شركًا هو قول واحد لا يمثل رأي جمهور الأمة.
الخلاصة
من يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لا ذنب عليه وعمدته جمهور العلماء وجل علماء المذاهب الأربعة. ومن لا يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لا ذنب عليه. ولكن لا يجوز أن تُضلل وتُبدّع وتُكفّر من توسل بالنبي صلى الله عليه وسلم. أصل كل شر هو الجهل، ولو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف.

💬 ليست هناك تعليقات
لا توجد تعليقات بعد. كن أول من يعلق!
✍️ اترك تعليقك
شاركنا رأيك أو استفسارك